الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
وهي سنة سبع وعشرين ومائة - على أن حسان بن عتاهية حكم منها على مصر ستة عشر يومًا في جمادى الآخرة. فيها وقع بالشأم وغيره عدة فتن وحروب من قبل مروان الحمار وغيره حتى ولي الخلافة وخلع إبراهيم بن الوليد الذي كان تخلف بعد موت أخيه يزيد بن الوليد الناقص ولم يتم أمره وكان مروان المذكور متولي أذربيجان وأرمينية فلما بلغه موت يزيد جمع الأبطال والعساكر وأنفق عليهم الأموال حتى بلغ قصده وولي الخلافة وتم أمره وفي آخر السنة المذكورة بايع مروان لابنيه عبيد الله وعبد الله بالعهد من بعده وزوجهما بابنتي هشام بن عبد الملك ولم يدر ماخبىء له في الغيب من زوال دولته ببني العباس. وفيها حج بالناس عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز الأموي وهو أمير مكة والمدينة والطائف. وفيها خلع سليمان بن هشام مروان الحمار من الخلافة. وكان سليمان بمدينة الرصافة ووقع له مع مروان أمور وحروب. وفيها توفي الحكم بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي وكان الوليد عقد له ولأخيه عثمان ولاية العهد بعده وأستعمل الحكم هذا على دمشق وعثمان على حمص حتى عزلهما يزيد بن الوليد الناقص. وفيها توفي عبد العزيز بن عبد الملك بن مروان أبو الأصبع وهو الذي تولى قتل الوليد بن يزيد فولاه يزيد الناقص العهد بعد أخيه إبراهيم. وفيها توفي مالك بن دينار العابد الزاهد أبو يحيى البصري أحد الأعلام الزهاد قيل: إن أدم مالك المذكور كان في السنة بفلسين ملحًا وكان يلبس إزار صوف وعباءة خفيفة وفي الشتاء فروةً وكان ينسخ المصحف في أربعة أشهر وفر شهرته ما يغني عن الإطناب في ذكره. وفي هذه السنة أيضًا كان الطاعون بالشأم ومات فيه خلائق لا تحصى وكان هذا الطاعون يسمى ب طاعون غراب. ذكر الذين ذكر الذهبي وفاتهم على القاعدة المتقدم ذكرها في سنة ست وعشرين ومائة. قال: وتوفي إسماعيل بن عبد الرحمن السدي وبكير بن عبد الله بن الأشج على الأصح وسعد بن إبراهيم في قول وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر الفهري وعبد الكريم بن مالك الجزري وعبد الله بن دينار المدني وعمرو بن عبد الله أبو إسحاق السبيعي وعمير بن هانىء العنسي ومالك بن دينار الزاهد في قولٍ ومحمد بن واسع في قول خليفة ووهب بن كيسان أيضًا. أمر النيل: الماء القديم ذراعان وثلاثة أصابع. مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا واثنا عشر إصبعًا. ولاية حوثرة بن سهيل على مصر هو حوثرة بن سهيل أخو عجلان بن سهيل بن كعب بن عامر بن عمير بن رياح بن عبد الله بن عبد قراص الباهلي أمير مصر ولاه مروان الحمار على إمرة مصر بعد أن عزل عنها حفص بن الوليد المقدم ذكره وجهز صحبته بالعساكر لقتال حفص بن الوليد. فخرج حوثرة من الشأم وسار منها بالعساكر حتى وصل إلى مصر في يوم الأربعاء لاثنتي عشرة ليلةً خلت من المحرم سنة ثمان وعشرين ومائة. وزاد صاحب البغية فقال: ومعه سبعة آلاف فارس وولاه مروان على الصلاة وعيسى بن أبي عطاء على الخراج. ولما وصل حوثرة إلى مصر أجمع جند مصر وأهلها على منعه من الدخول إلى مصر فأبى عليهم حفص بن الوليد ونهاهم عن ذلك فخافوا حوثرة وسألوه الأمان فأمنهم ونزل بظاهر الفسطاط وقد اطمأنوا إليه. فخرج إليه حفص بن الوليد في وجوه الجند فقبض حوثرة عليهم وقيدهم وأوسع الجند سبًا فانهزم الجند فقام حوثرة من وقته ودخل إلى مصر ومعه عيسى بن أبي عطاء وهو على الخراج على عادته وحوثرة على الصلاة لا غير وبعث حوثرة في طلب رؤساء مصر فجمعوا له فضرب أعناقهم وفيهم رجاء بن الأشيم الحميري من كبار المصريين ثم أخذ حفص بن الوليد فقتله. وأخذ في تمهيد أمور مصر وتم أمره إلى سنة إحدى وثلاثين ومائة ثم عزله مروان الحمار عن إمرة مصر وبعثه إلى العراق لقتال الخراسانية دعاة بني العباس فقتل هناك وكان استخلف على مصر أبا الجراح بشر بن أوس. وكان خروجه من مصر لعشر خلون من شهر رجب سنة إحدى وثلاثين ومائة فكانت ولايته على مصر ثلاث سنين وستة أشهر. وولي مصر من بعده المغيرة بن عبيد الله الآتي ذكره. ولما توجه حوثرة إلى الشأم ووجهه مروان الحمار إلى العراق نجدةً لابن هبيرة فتوجه إلى العراق ووقع له بها أمور. ولم يزل مع مروان الحمار إلى أن انكسر مروان من أبي مسلم الخراساني صاحب دعوة بني العباس وقيل: فقتل حوثرة هذا مع من قتل من أعوان بني أمية فإنه كان مولى لبني أمية ومن كبار أمرائهم. يقال: إنهم طحنوه طحنًا لما ظفروا به حتى مات فإنه كان شجاعًا وأما أمر حوثرة لما توجه إلى العراق لابن هبيرة فإنه وصل إليه وفي وصوله له قدم على يزيد بن هبيرة ابنه داود منهزمًا فخرج يزيد بن هبيرة ومعه حوثرة هذا إلى نحو قحطبة في عدد كثير لا يحصى وساروا حتى نزلوا جلولاء. واحتفر ابن هبيرة الخندق الذي كانت العرب احتفرته أيام وقعة جلولاء وأقام به. وأقبل قحطبة إلى جهة ابن هبيرة فارتحل ابن هبيرة وحوثرة بمن معهما إلى الكوفة لقحطبة وقدم حوثرة هذا أمامه في خمسة عشر ألفًا إلى الكوفة وقيل: إن حوثرة لم يفارق يزيد بن هبيرة وأرسل قحطبة طائفةً من أصحابه إلى الأنبار وغيرها وأمرهم بإحضار ما فيها من السفن ليعبر الفرات فبعثوا إليه كل سفينة كانت هناك. فقطع قحطبة الفرات حتى صار في غربيه ثم سار يريد الكوفة حتى انتهى إلى الموضع الذي فيه ابن هبيرة وحوثرة وذلك في محرم سنة اثنتين وثلاثين ومائة لثمان مضين منه. وكان ابن هبيرة قد عسكر على فم الفرات من أرض الفلوجة العليا على ثلاثة وعشرين فرسخًا من الكوفة وكان قدم عليه أيضًا ابن ضبارة نجدةً بعد حوثرة بن سهيل الباهلي المذكور فقال حوثرة لابن هبيرة: إن قحطبة قد مضى يريد الكوفة فاقصد أنت خراسان ودعه ومروان فإنك تكسره وبآلحرى أن يتبعك قال ابن هبيرة: ما كان ليتبعني ويدع الكوفة ولكن الرأي أن أبا دره إلى الكوفة. فعبر الدجلة من المدائن يريد الكوفة واستعمل على مقدمته حوثرة المذكور وأمره أن يسير إلى الكوفة والفريقان يسيران على جانبي الفرات وقد قال قحطبة لأصحابه: إن الإمام أخبرني أن لي بهذا المكان وقعةً يكون النصر فيها لنا. ثم عبر قحطبة من مخاضة وقاتل حوثرة ومحمد بن نباتة فانهزم حوثرة ومحمد بن نباتة وأخوه ولحقوا بابن هبيرة فانهزم ابن هبيرة بهزيمتهم ولحقوا بواسط وتركوا عسكرهم وما فيه من الأموال والسلاح وغير ذلك. وقيل: إن حوثرة كان بالكوفة فبلغه هزيمة يزيد بن هبيرة فسار إليه بمن معه. وأما أمر قحطبة فإنه فقد من عسكره بعد هزيمة عساكر ابن هبيرة فقال أصحاب قحطبة: من عنده عهد من قحطبة فليخبر به فقال مقاتل بن مالك العكي: سمعت قحطبة يقول: إن حدث بي حدث فالحسن ابني أمير الناس. فبايع الناس حميد بن قحطبة لأخيه الحسن وكان قد سيره أبوه قحطبة في سرية ثم أرسلوا إليه وأحضروه وسلموا إليه الأمر ثم بعثوا على قحطبة فوجدوه في جدول هو وحرب بن سالم بن أحوز قتيلين فظنوا أن كل واحد منهما قتل صاحبه. وقيل: إن معن بن زائدة ضرب قحطبة على عاتقه فسقط في الماء فأخرجوه فقال: شدوا يدي إذا أنا مت وألقوني في الماء لئلا يعلم الناس بقتلي ثم كونوا في أمركم فوقع ذلك حتى انهزم عسكر ابن هبيرة. السنة الأولى من ولاية حوثرة فيها بعث إبراهيم العباسي أبا مسلم إلى خراسان وأمره على أصحابه وكتب إليهم بذلك فأتاهم فلم يقبلوا منه. وخرج من قابل إلى مكة وأخبره أبو مسلم بذلك ثم أرسله ثانيًا كما سيأتي ذكره. وفيها توفي إسماعيل بن عبد الرحمن السدي صاحب التفسير والمغازي والسير كان إمامًا عارفًا بالوقائع وأيام الناس من الطبقة الثانية من تابعي أهل الكوفة وقيل: إنه مات سنة سبع وعشرين ومائة. وفيها توفي جابر بن يزيد الجعفي من الطبقة الرابعة من تابعي أهل الكوفة. وقد تكلم فيه وضعفه بعضهم. وفيها توفي حيي بن هانىء المعافري أبو قبيل وأبو قبيل بفتح القاف وكسر الموحدة. غزا أبو قبيل البحر مع جنادة والغرب في زمان معاوية. وكان شجاعًا دينًا متواضعًا يخرج إلى السوق إلى حاجته بنفسه روى عنه الليث بن سعد وغيره ومات بمصر. وفيها توفي سعيد بن مسروق الثوري أبو سفيان من الطبقة الثالثة من تابعي أهل الكوفة كان عالمًا زاهدًا. وفيها توفي عبد الواحد بن زيد أبو عبيدة واعظ البصرة من الطبقة الرابعة من تابعي أهل البصرة كان من الزهاد وكان يحضر مجالس مالك بن دينار. قال أبو نعيم: صلى عبد الواحد الغداة بوضوء العتمة أربعين سنة. وفيها توفي عثمان بن عاصم بن حصين أبو حصين بفتح الحاء الأسدي من الطبقة الرابعة من تابعي أهل الكوفة قرىء القرآن عليه بمسجد الكوفة خمسين سنة. وفيها توفي يزيد بن أبي حبيب من الطبقة الثالثة. من تابعي أهل مصر وهو أول من أظهر بها الحلال والحرام والفقه وإنما كانوا يتحدثون بالملاحم والفتن. وكان الليث بن سعد يثني عليه ويقول: ابن أبي حبيب سيدنا. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ذراعان واثنان وعشرون إصبعًا. مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وإصبع واحد. السنة الثانية من ولاية حوثرة على مصر وهي سنة تسع وعشرين ومائة. فيها خرج بحضرموت طالب الحق عبد الله بن يحيى الكني الأعور تغلب عليها واجتمع عليه الأباضية. ثم سار إلى صنعاء وبها القاسم بن عمر الثقفي فوقع بينهم قتال كثير انتصر فيه طالب الحق وهرب القاسم وقتل أخوه الصلت واستولى طالب الحق على صنعاء وأعمالها. ثم جهز إلى مكة عشرة آلاف وبها عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان فغلبوا على مكة وخرج منها عبد الواحد المذكور. وفيها كتب ابن هبيرة أمير العراق إلى عامر بن ضبارة فسار حتى أتى خراسان وقد ظهر بها أبو مسلم الخراساني صاحب دعوة بني العباس في شهر رمضان وكان قد ظهر هناك عبد الله بن معاوية الهاشمي فقبض عليه أبو مسلم وسجنه وسجن معه خلقًا من شيعته. وفيها توفي سالم بن أبي أمية أبو النضر مولى عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي من الطبقة الرابعة من تابعي أهل المدينة. كان يفد على عمر بن عبد العزيز ويعظه فقال له يومًا: يا أمير المؤمنين عبد خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته وأسكنه جنته عصاه مرة واحدة فأخرجه من الجنة بتلك الخطيئة الواحدة وأنا وأنت نعصي الله كل يوم مرارًا ونتمنى على الله الجنة! وكانت وفاته بالمدينة. ذكر من ذكر الذهبي وفاته في هذه السنة. قال: فيها توفي أزهر بن سعيد الحرازي بحمص والحارث بن عبد الرحمن بالمدينة وخالد بن أبي عمران التجيبي قاضي إفريقية وسالم أبو النضر المدني وعلي بن زيد بن جدعان التيمي وقيس بن الحجاج السلفي ومطر بن طهمان الوراق أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ثلاثة أذرع وتسعة عشر إصبعًا. مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وثلاثة عشر إصبعًا. السنة الثالثة من ولاية حوثرة بن سهيل على مصر وهي سنة ثلاثين ومائة. فيها اصطلح نصر بن سيار وجديع بن علي الكرماني على قتال أبي مسلم الخراساني فدس أبو مسلم الخراساني إلى ابن علي الكرماني من خدعه واجتمعا وقاتلا نصر بن سيار فقوي جيش أبي مسلم الخراساني وتقهقر نصر بن سيار بين يديه. فأخذ أبو مسلم أثقاله ثم أخذ مرو وقتل عاملها شيبان الحروري. فأقبلت سعادة بني العباس وأخذ من يومئذ أمر بني أمية في إدبار. ثم استولى أبو مسلم في هذه السنة على أكثر مدن خراسان ثم ظفر بعبد الله بن معاوية الهاشمي فقتله. ثم كتب نصر بن سيار إلى ابن هبيرة نائب العراق يستنجده ويستصرخ به إلى الخليفة مروان الحمار. وفيها استولى جيش طالب الحق على مكة فكتب عبد الواحد أمير المدينة إلى الخليفة مروان الحمار يخبره بخذلان أهل مكة ثم جهز جيشًا إلى مكة فبرز لحربهم أعوان طالب الحق وعليهم أبو حمزة والتقى الجمعان بقديد في صفر فانهزم جيش عبد الواحد وسار أبو حمزة فاستولى على المدينة أيضًا. وقتل يوم وقعة القديد هذه ثلاثمائة نفس من قريش: منهم حمزة بن مصعب بن الزبير بن العوام وابنه عمارة وابن أخيه مصعب حتى قالت بعض النوائح: مجزوء الكامل ما للزمان وما ليه أفنى قديد رجاليه ثم إن مروان الحمار بعث جيشًا عليه عبد الملك بن محمد بن عطية السعدي فسار ابن عطية المذكور والتقى مع أبي حمزة مقدم عساكر طالب الحق فكسره وقتل أبرهة بن الصباح الذي كان ولاه طالب الحق على مكة عند بئر ميمونة. فبلغ طالب الحق فأقبل من اليمن في ثلاثين ألفًا فخرج إليه عبد الملك بن محمد المذكور بعساكر مروان فكانت بينهم وقعة عظيمة انهزم فيها طالب الحق. ثم ألتقوا ثانيًا وثالثًا قتل فيها طالب الحق في نحو من ألف حضري وبعث عبد الملك بن محمد برأسه إلى الخليفة مروان الحمار. وفيها كانت زلازل شديدة بالشام وأخر ببيت المقدس وأهلكت أولاد شداد بن أوس فيمن هلك. وخرج أهل الشأم إلى البرية وأقاموا أربعين يومًا على ذلك وقيل: كان ذلك في سنة إحدى وثلاثين ومائة. وفيها توفي الخليل بن أحمد بن عمرو الفراهيدي أبو عبد الرحمن النحوي البصري. قال ابن قز أوغلي: ولم يكن بعد الصحابة أذكى من الخليل هذا ولا أجمع وكان قد برع في علم الأدب وهو أول من صنف العروض وكان من أزهد الناس. قلت: ولعل ابن قز أوغلي واهم في وفاة الخليل هذا والذي أعرفه أنه كان في عصر أبي حنيفة وغيره. وذكر الذهبي وفاته في سنة ستين ومائة وقال ابن خلكان: كانت ولادته يعني الخليل في سنة مائة من الهجرة وتوفي في سنة سبعين ومائة وقيل خمس وسبعين ومائة وقال ابن قانع في تاريخه المرتب على السنين: إنه توفي سنة ستين ومائة وقال ابن الجوزي في كتابه الذي سماه شذور العقود: إنه مات سنة ثلاثين ومائة وهذا غلط قطعًا والصحيح أنه عاش لبعد الستين ومائة ويقال: إنه كان له ولد فدخل عليه فوجده يقطع بيت شعر بأوزان العروض فخرج إلى الناس فقال: إن أبي جن فدخلوا إليه وأخبروه فقال مخاطبًا لا بنه: الكامل لو كنت تعلم ما أقول عذرتني أو كنت تعلم ما تقول عذلتكا لكن جهلت مقالتي فعذلتني وعلمت أنك جاهل فعذرتكا أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم أربعة أذرع وثلاتة عشر إصبعًا. مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وأربعة أصابع ونصف إصبع. على مصر - إلى شهر رجب ومن رجب حكمها المغيرة بن عبيد الله الآتي ذكره وهي سنة إحدى وثلاثين ومائة. فيها كانت وقعة بين ابن هبيرة وبين عامر بن ضبارة فالتقوا بنواحي أصبهان في شهر رجب فقتل ابن ضبارة في المصاف. وذكر محمد بن جرير الطبري: أن عامر بن ضبارة كان في مائة ألف. ثم بعث ابن هبيرة إلى مروان الحمار يخبره بقتله عامر بن ضبارة وطلب منه المدد فأمده بأمير مصر صاحب الترجمة حوثرة بن سهيل الباهلي بعد أن عزله عن إمرة مصر وبعثه في عشرة آلاف من قيس ثم تجمعت جيوش مروان الحمار بنهاوند وعليهم مالك بن أدهم فضايقهم قحطبة أربعة أشهر حتى خرجوا بالأمان في شوال ثم قتل قحطبة وجوهًا من عسكر أهل مصر. ثم أقبل قحطبة يريد العراق فخرج إليه متوليها ابن هبيرة وانضم إليه المصريون والمنهزمون حتى صار في ثلاثة وخمسين ألفًا ونزل جلولاء ونزل قحطبة في آخر العام بخانقين فوقع بين الطائفتين عدة وقائع وبقوا على ذلك إلى السنة الآتية. وفيها كان الطاعون العظيم هلك فيه خلق كثير حتى قيل: إنه مات في يوم واحد سبعون ألفًا قاله ابن الجوزي وكان هذا الطاعون يسمى: طاعون أسلم بن قتيبة. قال المدائني: كان بالبصرة في شهر رجب واشتد في رمضان ثم خف في شوال وبلغ كل يوم ألف جنازة. وهذا خامس عشر طاعونًا وقع في الإسلام حسبما تقدم ذكره في هذا الكتاب. قال المدائني: وهذا كله في دولة بني أمية. بل نقل بعض المؤرخين أن الطواعين في زمن بني أمية كانت لا تنقطع بالشأم حتى كان خلفاء بني أمية إذا جاء زمن الطاعون يخرجون إلى الصحراء ومن ثم اتخذ هشام بن عبد الملك الرصافة منزلًا وكانت الرصافة بلدة قديمة للروم. ثم خف الطاعون في الدولة العباسية فيقال: إن بعض أمراء بني العباس بالشأم خطب فقال: احمدوا الله الذي رفع عنكم الطاعون منذ ولينا عليكم فقام بعض من له جرأة فقال: إن الله أعدل من أن يجمعكم علينا والطاعون. وفيها تحول أبو مسلم الخراساني عن مرو ونزل نيسابور واستولى على عامة خرا سان. وفيها توفي واصل بن عطاء أبو حذيفة البصري مولى بني مخزوم وقيل: مولى بني ضبة. ولد سنة ثمانين بالمدينة وكان أحد البلغاء لكنه كان يلثغ بالراء يبدلها غينًا وكان لاقتداره على العربية وتوسعه في الكلام يتجنب الراء في خطابه وفي هذا المعنى يقول بعض الشعراء: الكامل وجعلت وصلي الراء لم تنطق به وقطعتني حتى كأنك واصل وواصل هذا هو رأس المعتزلة والخوارج لما كفرت بالكبائر قال واصل: بل الفاسق لا مؤمن ولا كافر منزلة بين المنزلتين فلذلك طرده الحسن البصري عن مجلسه فجلس عند واصل عمرو بن عبيد واعتزلا مجلس الحسن البصري فمن يومئذ قيل لهم: المعتزلة. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ثلاثة أذرع وتسعة أصابع. مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وأربعة أصابع. ولاية المغيرة بن عبيد الله على مصر هو المغيرة بن عبيد الله بن المغيرة بن عبيد الله بن سعد بن حكم بن مالك بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جوية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة الفزاري. وقال صاحب البغية: المغيرة بن عبيد الله بن مسعدة خالف في الج. ولاه الخليفة مروان الحمار على مصر بعد عزل حوثرة وتوجهه إلى العراق نجدةً لابن هبيرة فقدم المغيرة إلى مصر في سادس عشر من شهر رجب سنة إحدى وثلاثين ومائة على الصلاة. وقال صاحب البغية: ولاه مروان بن محمد على الصلاة فقدم يوم الأربعاء لست بقين من رجب سنة إحدى وثلاثين ومائة فجعل على شرطته ابنه عبد الله. وكان لينًا محببًا للناس. وقال غيره: ولما دخل مصر أقام بها مدة يسيرة وخرج إلى الإسكندرية واستخلف على صلاة مصر أبا الجراح الحرشي. ثم عاد بعد مدة ولم تطل مدته وتوفي يوم السبت ثاني عشر جمادى الأولى سنة اثنتين وثلاثين ومائة واستخلف ابنه الوليد بن المغيرة على إمرة مصر وصلاتها فلم يقره الخليفة مروان الحمار على ذلك وولي مصر عبد الملك بن مروان بن موسى فكانت ولاية المغيرة على مصر عشرة أشهر إلا أيامًا ثلاثة. وقال صاحب البغية: وتوفي يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى وذكر السنة فكانت ولايته عشرة أشهر. فأجمع الجمع على أن يولوا عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج على الشرطة إلى أن يأتي أمر مروان بن محمد وانصرف الوليد للنصف من جمادى الآخرة. وكان المغيرة دينًا فاضلًا عدلًا محببًا للرعية وهو أجل أمراء بني أمية وولي لهم الأعمال الجليلة وحضر وقعة شهر زور لما وجه قحطبة أبا عون عبد الملك بن يزيد الخراساني ومالك بن طريف الخراشي في أربعة آلاف إلى شهر زور وبها عثمان بن سفيان والمغيرة هذا على مقدمة عبد الله بن مروان بن محمد فنزلوا على فرسخين من شهر زور وقاتلوا عثمان وانهزم عثمان وقتل وقام أبو عون ببلاد الموصل وقيل إن عثمان لم يقتل وهرب هو والمغيرة هذا إلى عبد الله بن مروان وغنم أبو عون عسكره وقتل من أصحابه مقتلة عظيمة ثم سير قحطبة العساكر إلى أبي عون فاجتمع معه ثلاثون ألفًا. ولما بلغ مروان الخليفة خبر أبي عون سار بنفسه بجميع عساكر ممالكه وأقبل نحو أبي عون فوقع له حروب وأمور يطول شرحها. ولاية عبد الملك بن مروان على مصر هو عبد الملك بن مروان بن موسى بن نصير اللخمي أمير مصر ولاه الخليفة مروان بن محمد بن مروان المعروف بالحمار على الصلاة والخراج معًا بعد موت المغيرة بن عبيد الله الفزاري وكان عبد الملك هذا قد ولي خراج مصر قبل أن يلي الإمرة والصلاة. فلما مات المغيرة جمع له مروان الخراج والصلاة وذلك في جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثين ومائة. ولما تم أمره جعل أخاه معاوية على الشرطة ثم ولى عكرمة بن عبد الله الخولاني. ثم إن عبد الملك المذكور أمر باتخاذ المنابر في الجوامع ولم يكن قبل ذلك منبر وإنما كانت ولاة مصر يخطبون على العصي إلى جانب القبلة. ثم خرج عليه قبط مصر بعد ذلك واجتمعوا على قتاله فحاربهم وقتل كثيرًا منهم وانهزم من ثم خالف بعد ذلك في أيامه عمرو بن سهيل بن عبد العزيز بن مروان على مروان الحمار ودعا لنفسه واجتمع عليه جمع من قيس في الحوف الشرقي من أعمال مصر فبعث إليهم عبد الملك هذا بجيش فلم تقع بينهم حرب. وبينما هم في ذلك إذ قدم عليهم الخليفة مروان الحمار من أرض الشام وقد انهزم من أبي مسلم الخراساني صاحب دعوة بني العباس في يوم الثلاثاء لثمانٍ بقين من شوال وقيل لثلاث بقين من شوال سنة اثنتين وثلاثين ومائة. ولما دخل مروان مصر وجد أهل الحوف الشرقي من بلاد مصر وأهل الإسكندرية والصعيد قد صاروا مسودة - أعني صاروا من أعوان بني العباس ولبسوا السواد - فعزم مروان الحمار على تعدية النيل فعدى إلى الجيزة وأحرق الجسرين والدار المذهبة وبعث بجيش إلى الإسكندرية فاقتتلوا مع من كان بها بالكريون وبينما هو في ذلك خالفت القبط فبعث إليهم مروان من قاتلهم أيضًا وهزمهم ثم بعث جيشًا إلى الصعيد. وبينما هو في ذلك قدم صالح بن علي بن عبد الله بن عباس في طلب مروان ومع صالح أبو عون عبد الملك بن يزيد وكان قدوم عبد الملك إلى الديار المصرية في يوم الثلاثاء النصف من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائة المذكورة فلم يثبت مروان الحمار لصالح المذكور وتوجه إلى بوصير بالجيزة ومعه عبد الملك صاحب مصر وغيره من حواشيه وأمرائه وأقاربه من بني أمية. فلحقه صالح بها فالتقاه مروان الحمار بمن معه وقاتله حتى انهزم وقتل في يوم الجمعة لتسع بقين من ذي الحجة. ثم عاد صالح بن علي المذكور ودخل الفسطاط في يوم الأحد لثمان خلون من المحرم سنة ثلاث وثلاثين ومائة وبعث برأس مروان إلى الشام والعراق وزالت دولة بني أمية. وأما عبد الملك بن مروان أمير مصر صاحب الترجمة فإنه كان لما ولي مصر أحسن السيرة ولم يفحش في حق بني العباس فأمنه صالح وأمن أخاه معاوية وعفا عنهما ثم قتل حوثرة بن سهيل وحسان بن عتاهية اللذين كانا كل منهما ولي على مصر قبل عبد الملك وعبد الملك هذا هوآخر أمير ولي مصر من قبل بني أمية. وزالت في هذه السنة بقتل مروان الحمار دولة بني أمية وبويع السفاح عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بالخلافة وهو أول خلفاء بني العباس. ولا بد من ذكر كيفية انفصال دولة بني أمية وابتداء دولة بني العباس في هذه الترجمة فإن ذلك من أعظم ما يذكر من الوقائع وإن كان ذلك غير ما نحن فيه من شرط هذا الكتاب فنذكره على سبيل الاستطراد في ترجمة عبد الملك أمير مصر فإنه آخر من ولي من أمراء بني أمية. بيعة السفاح بالخلافة لما كان المحرم سنة اثنتين وثلاثين ومائة بلغ ابن هبيرة أمير العراقين لبني أمية أن قحطبة أحد دعاة بني العباس توجه نحو الموصل يريد الكوفة. فرحل ابن هبيرة بأصحابه نحو الكوفة وسار كل منهما حتى توا قعا فجاءت قحطبة طعنة فوقع في الفرات فهلك ولم يعلم به قومه. وانهزم أيضًا أصحاب ابن هبيرة وغرق خلق منهم في المخايض. وقال بيهس بن حبيب: ونادى منادٍ في جمع الناس بعد أن جاوزنا الفرات: من أراد الشام فهلم فذهب معه جمع من الناس ونادى آخر: من أراد الجزيرة فتبعه خلق ونادى آخر: من أراد الكوفة فذهب كل جند إلى ناحية. فقلت: من أراد واسط فهلم فاجتمعنا على ابن هبيرة وسرنا حتى دخلنا واسط يوم عاشوراء. وأصبح وأصبحوا المسودة وقد فقدوا قائدهم قحطبة ثم استخرجوه من الماء وفيه طعنة في جبهته فدفنوه وأمروا عليهم ابنه الحسن فقصد بهم الكوفة فدخلوها يوم عاشوراء أيضًا وهرب متوليها من قبل بني أمية وهو زياد بن صالح. فاستعمل ابن قحطبة على الكوفة أبا سلمة الخلال ثم قصد واسط فنزلها وخندق على جيشه. فعبأ ابن هبيرة عساكره فالتقوا فانهزم عسكر ابن هبيرة وتحصنوا بواسط وقتل في الوقعة حكيم بن المسيب الجدلي. ثم وثب أبو مسلم صاحب دعوة بني العباس على ابن الكرماني فقتله بنيسابور وجلس في دست الملك وخطب للسفاح وأخذ في أسباب بيعة السفاح بالخلافة فلما كان يوم ثالث شهر ربيع الأول من سنة اثنتين وثلاثين ومائة بويع بالخلافة في دار مولاهم الوليد بن سعد ولم ينتطح في ذلك عنزان. وبلغ ذلك خليفة الوقت مروان بن محمد بن مروان الأموي المعروف بالحمار فسار من الشام في مائة ألف حتى نزل الرأس عون الموصل. فجهز السفاح عمه عبد الله بن علي في جيش فالتقى الجمعان على كشاف في جمادى الآخرة فانكسر مروان وتقهقر إلى الجزيرة وقطع وراءه الجسر وقصد الشام ليتقى ويلتقي ثانيًا بالمسودة. ودخل عبد الله بن علي العباسي الجزيرة فاستعمل عليها موسى بن كعب التميمي ثم طلب الشام مجدًا. وأمده السفاح بعمه الآخر صالح بن علي فسار عبد الله حتى نزل دمشق فعجز مروان عن ملاقاته وفر إلى غزة فحوصرت دمشق مدة ثم أخذت في شهر رمضان وقتل خلق من بني أمية وجندهم لا يدخل تحت حصر. فلما بلغ مروان ذلك هرب إلى مصر ثم قتل في آخر السنة ببوصير حسبما ذكرناه وهرب ابناه عبد الله وعبيد الله إلى النوبة ووقع ما ذكرناه في ترجمة عبد الملك أمير مصر من قتل حوثرة وحسان وغير ذلك. قال محمد بن جرير الطبري: كان بدء أمر بني العباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر عنه أعلم العباس عمه أن الخلافة تؤول إلى ولده فلم يزل ولده يتوقعون ذلك ويتحدثون به بينهم. وعن رشيد بن كريب أن أبا هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية خرج إلى الشام فلقي محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فقال: يا بن عم إن عندي علمًا أريد أن أبديه إليك فلا تطلعن عليه أحدًا. إن هذا الأمر الذي يرتجيه الناس فيكم. قال: قد علمته فلا يسمعنه منك أحد. وروى المدائني عن جماعة أن الإمام محمد بن علي بن عبد الله بن عباس قال: لنا ثلاثة أوقات: موت الطاغية يزيد بن معاوية ورأس المائة وفتق بإفريقية فعند ذلك يدعو لنا دعاة ثم تقبل أنصارنا من المشرق حتى ترد خيولهم المغرب ويستخرجوا ما كنز الجبارون فيها فلما قتل يزيد بن أبي مسلم بإفريقية ونقضت البربر بعث محمد الإمام رجلًا إلى خراسان وأمره أن يدعو إلى الرضى من آل محمد صلى الله عليه وسلم ولا يسمي أحدًا. ثم توجه أبو مسلم وغيره وكتب إلى النقباء فقبلوا كتبه ثم وقع في يد مروان الحمار كتاب إبراهيم بن محمد الإمام إلى أبي مسلم جواب كتاب يأمره بقتل كل من يتكلم بالعربية بخراسان فقبض مروان على إبراهيم وقد كان مروان وصف له صفة السفاح التي كان يجدها في الكتب. فلما جيء بإبراهيم قال: ليست هذه الصفة التي وجدت. ثم ردهم وشرع في طلب الموصوف له فإذا بالسفاح وإخوته وعمومته قد هربوا إلى العراق فيقال: إن إبراهيم كان قد نعى إليهم نفسه وأمرهم بالهرب فساروا حتى نزلوا في الحميمة في أرض البلقاء. ثم قدموا الكوفة فأنزلهم أبو سلمة الخلال دار الوليد بن سعد. فبلغ الخبر أبا الجهم فاجتمع بموسى بن كعب وعبد الحميد بن ربعي وسلمة بن محمد وإبراهيم بن سلمة وعبد الله الطائي وإسحاق بن إبراهيم وشراحيل وعبد الله بن بسام وجماعة من كبار شيعتهم فدخلوا على آل العباس فقالوا: آيكم عبد الله بن محمد بن الحارثية فأشاروا إلى السفاح فسلموا عليه بالخلافة. ثم خرج السفاح يوم جمعة على برذون أبلق فصلى بالناس بالكوفة ثم عاد السفاح إلى المنبر ثانيًا وقال: الحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه فشرفه وكرمه وعظمه واختاره لنا وأيده بنا وجعلنا أهله وكهفه وحصنه والقوام به والذابين عنه. ثم ذكر قرابتهم في آيات من القرآن الشريف إلى أن قال: فلما قبض الله نبيه قام بالأمر أصحابه إلى أن وثب بنو حرب وبنو مروان فجاروا واستأثروا فأملى الله لهم حينًا حتى أسفوه فانتقم منهم بأيدينا ورد علينا حقنا ليمن بنا على الذين استضعفوا في الأرض وختم بنا كما افتتح بنا وما توفيقنا أهل البيت إلا بالله. يا أهل الكوفة أنتم محل محبتنا ومنزل مودتنا أنتم الذين لم تتغيروا عن ذلك ولم يثنكم عنه تحامل أهل الجور فأنتم أسعد الناس بنا وأكرمهم علينا. وقد زدت في أعطياتكم مائة مائة فاستعدوا فأنا السفاح المبيح والثائر المبير. وكان السفاح موعوكًا فجلس فقام عمه داود بن علي فخطب وأبلغ وقال: إن أمير المؤمنين نصره الله نصرًا عزيزًا إنما عاد إلى المنبر لأنه كره أن يخلط بكلام الجمعة غيره وإنما قطعه عن استتمام الكلام شدة الوعك فادعوا له بالعافية فقد أبدلكم الله بمروان عدو الرحمن وخليفة الشيطان المتبع لسلفه المفسدين في الأرض الشاب المتكفل وسماه فضج الناس له بالدعاء. وأما إبراهيم بن محمد أعني أخا السفاح الذي وقع له مع مروان ما ذكرناه فإن مروان قتله بعد ذلك غيلة وقيل: بل مات في السجن بحران بالطاعون. انتهى ما أوردناه من انفصال الدولتين.
|